|

لا ليس ربيعا عربيا - بقلم محمد شريف الجيوسي


كان الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن، صادقاً عندما تحدث عن شرق أوسط جديد وحرب مقدسة،كما كانت كونداليزا وزيرة خارجيتة التي أصبحت(مبْوَسَةً ) لكل مسؤول يلتقيها كمكمل دبلوماسي رسمي ـ صادقة هي الأخرى وتعني ما تقول عندما تحدثت عن الفوضى الخلاقة،على النقيض من الرئيس الأمريكي اوباما الذي باعنا والشعب الأمريكي المطحون بالأزمات والكراهية في الداخل والخارج، كلاماً بدا جميلاً عند البعض، ثبت أنه لم يعنه أبدأ. وأن البعض أسرف في التفاؤل.

قالت وسائل إعلام غربية إن المنطقة العربية تشهد ربيع ثورات، واتخذت وسائل تزعم أنها عربية ذات المسمى المخادع ووقع في الفخ ابتداءً كتاب وباحثون ومحللون ومنظرون، ومن الطبيعي أن ترى العامة من بعد ما يرون، وقليل جداً من أدركوا ابتداءً أن الواقع لا صلة له بالمفردتين المزعومتين، وأننا امام نوع جديد من الاحتلالات والتقسيم والفتن المذهبية والطائفية والإثنية وسرقة المقدرات والأسواق وتخريب البنى التحتية والقتل والتهجير والاغتصاب وتشوية الثقافة الوطنية والقومية وإفساد العبادات بالغلو والتطرف حينا والتفريط حيناً آخر، والدس والنخر في أساسات الأمة، وتشويه كل ما هو جميل،وقلب الحقائق، إننا باختصار امام حقبة هي الأسوأ في تاريخ الأمة منذ ما قبل الإسلام وحتى الآن.

واستدعى المخطط الأمريكي الغربي الصهيوني التضحية برموز تابعة قدمت أكثر من المطلوب ظناً منها ان ذلك يحميها ويمكن لها في الأرض،لكن لا صداقات ولا عهود ولا صدقية دائمة ولا مؤقتة مع الغرب، فقد بلغت هذه الرموز حدوداً من الترهل والاهتراء والصلف لا يسمح باستمرار التحالف معها،وانجاز المصالح العليا للغرب ،فإنجاح السيناريو يستوجب إزاحتهم حتى يكون مقنعاً أن المنطقة تشهد ربيع ثورات يبشر بما هو أفضل..

لكن الحقيقة انه مثلما جرى احتلال العراق وتقسيمه وبث الفتن فيه وقتل وتهجير واغتصاب وترميل وتيتيم واعتقال وتعذيب وإخفاء ملايين العراقيين حتى لم تبق أسرة عراقية دون ضحية على الأقل إلا بعض من عملوا مع الاحتلال وأتوْا على ظهور دباباته، ما لا يمكن التعافي منه خلال عقود والعودة إلى ما كان عليه العراق قبل الاحتلال وليس أكثرـ يجري تنفيذ ذات الشيء وإن اختلفت الذرائع وبعض التفاصيل مما يتساوق مع واقع الحال.

ويستغل الغرب أحلاماً واهمة لدى متسربلين بالدين من أتباع إسلام ناعم فتحوا كروشهم بأمل أن تسلمهم واشنطن الحكم في غير بلد عربي، فيما يقيم تعاوناً ظرفياً مع أشد الجماعات الإسلامية تطرفاً وهو ما يحدث في ليبيا الآن، ويكرس في مرحلة ليست ببعيدة لاقتتال إسلاميين من مشارب متباينة، إضافة لما خلفه تدخل النيتو ومساندته لـ(الانتقالي) من مآس وتبعات وحرب لن تنتهي قريباً،بل ستشتعل على نحوٍ أشد، فما حدث تجاه القذافي اتسم بأشد الممارسات همجية مدبرة هيأت لها تصريحات هيلاري كلينتون قبل يومين من اغتيال القذافي التي كانت أمراً بالقتل ما يستوجب تقديمها لمحكمة دولية لتنال عقابها.

وما تخفي خلافات النيتو (التي تحت الطاولة) من تصفية حسابات تشكل إضافة لمزيد من الصراع، فأطرافه ليست متفقة بعد على صيغة اقتسام وليس واضحاً الطرف الغربي الوريث الأول في وقت اختلافات وأزمات داخلية في الولايات المتحدة وفرنسا، عدا عن أن الغرب مأزوم ويريد كل حصته من الكعكات التي تم (حسمها) كما يبدو في الظاهر وليس في الواقع ، فبوش الثاني أعلن بعد 40 يوما انتهاء الحرب الإمبريالية على العراق،لكنها استمرت حتى اليوم ، واوباما أعلن قبل أيام أن أمريكا ستحتفل في اعياد رأس السنة الشمسية بعودة كامل جنودها من العراق،لكنني أقول إن الحرب لن تنتهيَ وأن وجوداً أمريكيا استعماريا احتلالياً سيبقى في العراق ولن يخرج؛ إلا بهزيمة مشهودة.

إن الغرب المأزوم، يجعل منه أكثر طمعاً بمنطقتنا وما تحفل به من نفط ومقدرات وأسواق وممرات،وفي حالة تخبط. ورغم اتفاقه على العداء للمنطقة العربية والإسلامية، إلآ أن بين أطرافه تناقضات ومشكلات ليست هينة،وهو يتخذ قرارات ومواقف وسياسات تعبر عن حاله هذا،ما يجعل أفعاله ضدنا أكثر شراسة وحمقاً.ويرتب بالتالي على العرب إدراكاً أشد لما يدبر ضدهم والكف عن التوهم بأن الغرب يريد تحقيق الديمقراطية؛ فيما هو باستهدافه المستمر للمنطقة وزرعه لـ (إسرائيل) يشكل المعيق الأول لتحقيقها وإقامة التنمية. التي لن تتحقق إلا من الداخل وفي الداخل بالحوار والحراك السلمي الواعي للمصالح والضرورات المحلية البحتة .

إن لدى الغرب برنامجاً كاملاً لما زعم أنه الربيع العربي،بتكرار ما حدث في العراق وأفغانستان وليبيا واليمن وتقسيم السودان ( وسيتبع ما هو أسوأ إن استطاعوا) وتسليط أثيوبيا على الصومال وانفصال جزيرة عن جزر القمر، بحيث لا ينجو أحد من اقتتال أو احتلال أو تقسيم أو هذه جميعها، والمسألة مسألة توقيت، وعما قريب ستكون دول اخرى مستهدفة في البرنامج الغربي ضد المنطقة العربية .

بقلم: محمد شريف الجيوسي

المشاهدات: ..
الناشر Unknown on 6:01 ص. تابع قسم . الموضوع يعبّر عن رأي كاتبه لمراسلتنا، اضغط هنا.

0 التعليقات على "لا ليس ربيعا عربيا - بقلم محمد شريف الجيوسي"

علّق على الموضوع

أحدث التعليقات

أحدث المواضيع