|

الحرب الناعمة - بقلم الكاتب السحمدي بركاتي


الحرب النـــــــــــــــــــاعمة
لم يعد مصطلح الاستعمار بمفهومه القديم، الذي يعني غزو دولة قوية لدولة
ضعيفة أخرى ومحاولة محوها وطمس معالمها وتحويل شعبها الى عبيد ومسلوبين
لا حول لهم ولا قوة، فهذا المفهوم قد ولى في عصر التكنولوجيا والصحون
الطائرة والحركة والصورة و تطورت دلالته مع تطور البشرية وعودة نظرية
البقاء للأقوى للظهور وترجمتها فعليا في الأجندات السياسية والثقافية
والحضارية، فقد استحدثت مخابر ومؤسسات واجهزة غربية مهمتها الأساسية
تتمثل في معرفة البنى التحتية للامم الشرقية والعربية خصوصا واتخاذ
الأساليب الناجعة لتقويض هاته البنى من دون خسارة مادية مكلفة وانزال بري
وجوي وبحري في تلك الدول المستهدفة، فاهتدت الى قوة جديدة ولينة لها
فعالية كبيرة وتؤتي أكلها كلما كانت تصويباتها دقيقة وهي ما اصطلح عليه
بالقوة الناعمة، الاصطلاح الذي استحدثه جوزيف ناي رئيس مجلس الاستخبارات
الوطني الامريكي سابقا ،هذا المفهوم الجديد يهدف الى بسط السيطرة
المعنوية على الشعوب "فاسرار الاسلحة الناعمة متاحة ومعروضة فهي تجعل
الاخرين يعجبون بمثلك وتغريهم بمبادئك وتخلق لنفسك جاذبية بدرجة ما تعجز
الاسلحة الدموية ان تتحصل عليها وتستمر الى امد بعيد" بهذا لمنطق تسعى
القوى الغربية إلى امتلاكنا والتحكم في رغباتنا وتوجهاتنا واحلامنا وكل
ماله صلة بالجانب المعنوي في حياتنا، فعالمنا العربي اليوم أضحى عرضة لكل
نتاج قادم من الغرب والشرق، فسوقنا اليوم غدت فضاءا لكل المنتوجات
الصالحة والطالحة، الرائجة والكاسدة، العفنة والعطنة من البراغي وإبر
الخياطة إلى السيارات والبنايات الجاهزة، والشيئ الذي ينذر بالخطر هو
استيرادنا للأفلام والمسلسلات والرسومات المتحركة والالبومات الفنية من
الآخر الأمر الذي يساهم في تعطيل عقولنا العربية عن الانتاج والإبداع
والقضاء على مقوماتنا وهويتنا وذائقتنا، على الرغم بأننا امة بيان وإبداع
و مرويات شفاهية، هذا القصف الناعم الذي تسوقه بعض القنوات الفضائية بقصد
ودون قصد من بعض بني جلدتنا يأتي في ظل تراجع مفهومنا لأهمية السينما
والمسلسلات في التسويق لأفكارنا، و السباق المحموم لدور وعلب الانتاج في
التربع على اكبر الإيرادات في فضاءات السينما من دون النظر لمضمون
المنتج.
وبجولة بسيطة عبر فضائياتنا العربية اليوم تجد فيها مايسر وما لا يسر،
فباستثناء بعض الأعمال الدرامية والاجتماعية والتاريخية التي ساهمت في لم
شمل الأسر العربية في السهرات الرمضانية، والتي تتناول الشان العربي
وتحاول الاقتراب من هموم وقضايا المواطن العربي وتساهم في معالجتها تجد
بعض الأعمال الأخرى التي تستحي ان تجلس مع أمك واخوتك لمشاهدتها وذلك
نظرا لطبيعة المواضيع التي تعالجها تلك الأعمال، والتسويق الفظيع لأفكار
تتعارض وهويتنا العربية والاسلامية، وزد على ذلك دخول السينما الهندية
والصينية والتركية والمكسيكية وبعد ايام سنكون على موعد مع السينما
الإيرانية وفي انتظار السينما البوذية والقوطية والهندوراسية والسيشيلية
التي تساهم هي الأخرى في القضاء على ماتبقى من ذائقتنا ومخيال شبابنا
الذي لم يعد يفرق بين هويته ومبادئه وما تبشره به كل هذه الانزالات
الفضائية، فيغدو كائنا ناعما وديعا وكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي
يصبح قابلا للاستعمار وأقول أيضا قابلا للاستركاب والاستهجان....

المشاهدات: ..
الناشر Unknown on 10:15 ص. تابع قسم . الموضوع يعبّر عن رأي كاتبه لمراسلتنا، اضغط هنا.

0 التعليقات على "الحرب الناعمة - بقلم الكاتب السحمدي بركاتي"

علّق على الموضوع

أحدث التعليقات

أحدث المواضيع